المعالجة النفسية ميسون حمزة لـ “أحوال”: لا بد للمصابين في الانفجار من متابعة العلاج النفسي
يشهد العالم أحداث مؤثرة من خلال الحروب أو الصراعات، إلّا أنّ ما حصل في لبنان قبل شهر ونيّف على أثر انفجار مرفأ بيروت الذي وصف بالانفجار النووي، ولم يكن الدمار الهائل على الحجر، والخسارة لم تكن جسدية بالأرواح والأملاك، بل زادتها جروح نفسية لن تترك ندوباً بل ستكون أكثر رعباً عند من عايش لحظات الرعب.
ولوقوف عند الحالات التي يمر بها الجرحى والمصابين من جراء الانفجار وكيفية مساعدتهم للخروج من حالتهم علاجياً، التقت “أحوال” المعالجة النفسية ميسون حمزة التي قدّمت شرحاً مفصلاً عن كيف يكون للعلم النفسي دوراً في محاولات تخطّي أو المساهمة في تخطي الجرح النفسي.
تقول المعالجة النفسية ميسون حمزة عن الوضع النفسي إنّه: “بعد حصول الصدمة نحن أمام حالة من الذعر أو الخوف التي تترافق مع مشاعر دفينة بتهديد بمنظومة الأمان، بمعنى لماذا الصدمة مع الكوارث أو الأزمات الكبيرة لأنّها دائماً تضع الفرد أمام مواجهة أمر ما جلل يهدد الحياة أو منظومة الأمان.
للصدمة تداعيات وما بعدها تظهر أثار وعوارض مختلفة جداً، ففي مرحلة الصدمة ممكن الأفراد الذين يواجهون الصدمة منهم من يصير لديه إضرابات نفسية ومن لا، لأنّ كل الناس مع الصدمة يمرون بشيء اسمه حالة نفسية وهي تختلف عن الاضراب النفسي، فكل الناس يمرون بحالة نفسية ممكن أن تتطور إلى هلع، وهذا ما نحن نسميه ذعرًا، وهذا يتطلب مستويات كثيرة من الدعم، إذ يحكى في المجتمعات عن الدعم النفسي.
عوارض الخوف النفسي
وشرحت تفصيل ماهية الدعم النفسي الذي يرافق مرحلة الصدمة وما بعدها، هو عبارة عن أناس مختصين معالجين أو مستشارين نفسيين يستمعون للأشخاص ليتمكنوا من الحديث عن صدمته، ويريدون الكلام عنها، ويطلقون المشاعر التي فيها خوف وهلع وما رأوه في لحظة الحادثة، بمرحلة ما بعد الصدمة، بعد أسبوع تبدأ تظهر عوارض مختلفة عن العوارض الأولى التي هي الخوف المفاجئ أو البكاء الشديد وتظهر بعض الحالات النفسية التي تستدعي التدخل بالدعم الذي من خلاله ننصح الشخص بالتوجه إلى العلاج النفسي.
أمّا عوارض بعد الصدمة فهي: “الاكتئاب والسوداوية وعدم النوم وعدم القابلية على الأكل والانطواء والانعزال والبكاء المفاجئ والآلام بالجسد مثل الأكتاف والمعدة، وشعور بالضيق يظهر فجأة، وتختلف من شخص إلى آخر، وتظهر عن شخص أكثر من غيره، خصوصاً الشخص الذي يعاني من اضطرابات نفسية وتظهر كعوارض حادة، واضطرابات مختلفة مثل تقلب المزاج وتظهر عندهم أكثر من الأشخاص الذين لديهم حالة نفسية وخوف وتخطوه.
الدعم اللّازم
بالنسبة إلى الجرحى والمصابين الذين تضرّروا مباشرة بمنازلهم وأشغالهم ولم يهتم أحد، هل يمكن أن يتخطوا الأزمة من دون مساعدة مادية أو معنوية أو طبية، خصوصاً أنّهم فقدوا مقر أمانهم، تؤكد ميسون: “إن الأشخاص الذين كانوا في بيوتهم وتضرروا، بالإضافة إلى الأشخاص الذين خسروا أرواحاً عزيزة وخسروا بيوتهم، ومن خسروا أرزاقهم. نفسياً، نتحدث عن فعل الصدمة المربوطة بالكارثة التي ترافقها الخسارة، التي هي فعلياً تضع الفرد أمام وضعية نفسية غير سوية، لأنّه في الخسارة هناك الذات وفي الآخر، وعليه أن يجرب أن يرى ماذا تركت هذه الخسارة أثر عنده لأنّه هدّد بالمباشر وبالوجود.
وهنا نتحدث عن الخسارة المتعلقة بالوجود، لأننا في لبنان نعيش فعلياً بواقع مأزوم من قرابة السنة بدءً من الثورة الى الانهيار الاقتصادي الكبير الى زمن الكورونا الى انفجار المرفأ، إذا أردت أن أميّز بين كارثتين الأولى الكورونا والثانية الانفجار، الأولى فيها خسارة وصدمة ولكنهما طالتا المشاعر، أي الخوف من الإصابة بمرض والخوف على الأولاد والأهل، أي الخوف من أمر لا نعرفه ولكن نجرب أن نحمي أنفسنا منه بالوقاية. أما الثانية كارثة الانفجار تظهر صدمة أكثر لأنّ فيها خسارة تهدّد الوجود مباشرة في الواقع، ماذا يعني تدمر بيتي، أي ذكرياتي رحلت، الملجأ ذهب، وهنا لا يمكن أن نتحدث عن المتضررين إن كانوا يستطيعون الخروج من صدمتهم أو الوجع الكبير الذي طالهم من دون مساعدة؟ حتماً كلا. بل يذهب إلى المساعدة بالدرجة الأولى، إلى المساعدة المادية التي تبرز في الكوارث والمجتمعات وتعتمد على هيئات إغاثة وجمعيات.
ولكن هذا الفرد الذي وقف أمام كلّ هذا الخراب الذي طاله سواء بالأرواح أو الأرزاق أو المسكن، فإذاً هو شعر نفسه بفراغ كبير وأذى كبير طال وجوده بالمباشر، لماذا نخاف على هؤلاء الأشخاص ونقول إنّهم يجب أن يتوجهوا نحو الدعم النفسي وبعده يجب أن يتوجهوا الى العلاج النفسي، لأنّ هذا الفراغ سيأخذه إلى مكان عدم الشعور بالرغبة بالوجود والتواجد، ويرفض البقاء على قيد الحياة، وربما هنا تظهر اضطرابات نفسية، وحسب الأشخاص ومستوى التعليم، صحيح أنّ هذه العناصر تلعب دوراً ولكن تبقى الصدمة صدمة والخسارة خسارة، أكيد يحتاج إلى المتابعة والعلاج”.
وعن معالجة الحالة النفسية تقول ميسون حمزة: “الجرح الجسدي يأخذ وقتاً أقل عندما نتحدث عن المستوى النفسي نقول إن العلاج النفسي يأخذ وقتاً أطول من العلاج الفيزيائي أو الطبي، ممكن أن يخرج أو يشفى منه المصاب في شكل أسرع، إنّما الجرح النفسي يأخذ وقتاً أطول لأنّه يتعلق بالذات والوجود، ولأنّ الجرح النفسي لا يخرج بمجرد إرادة الإنسان بل يحتاج إلى مساعدة، لأنّ الجرح دائماً مرتبط بأمور حصلت في الماضي، فالصدمة التي تحصل دائماً تذكرنا بشيء حصل في الماضي، فصحيح أنّنا نأخذ بالاعتبار المستوى الاجتماعي والمستوى الثقافي ولكن تأثير الصدمة يكون على كل الناس مثل بعضهم البعض، ولا تميّز أحد عن الآخر، لأنّنا لا نعرف ما تراكمه النفسية وتربيته وتنشئته منذ الطفولة إلى أنّ كبر، وما لديه من تراكمات لجروح نفسية وأذى نفسي تعرض له، وإلى أي مدى دخلت صدمة الانفجار إلى ذاك المكان الغائب في اللّاوعي عنده وأخرجت كلّ الأمور الحاصلة معه، لهذا عندما نتحدث عن المستوى النفسي نقول إن العلاج النفسي يأخذ وقتاً أطول من العلاج الفيزيائي أو الطبي.
هناء حاج